فصل: بنو أنوشتكين.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.بنو أنوشتكين.

كان أنوشتكين جدهم تركيا مملو كالرجل من غراشتان ولذلك يقال له أنوشتكين غرشه ثم صار لرجل من أمراء السلجوقية وعظمائهم اسمه ملكابك وكان مقدما عنده لنجابته وشجاعته ونشأ ابنه محمد على مثل حاله من النجابة والشجاعة وتحل بالأدب والمعارف واختلط بأمراء السلجوقية وولي لهم الأعمال واشتهر فيهم بالكفاية وحسن التدبير ولما ولي بركيارق ابن السلطان ملك شاه وانتقض عليه عمه أرسلان أرغون واستولى على خراسان بعث إليه العساكر سنة تسعين وأربعمائة مع أخيه سنجر وسار في أثره ولقيهم في طريقهم خبر مقتل أرغون عمهم وأن بعض مواليه خلفه فعدا عليه فقتله كما مر قبل فسار بركيارق في نواحي خراسان وما وراء النهر حتى دوخها وولي عليها أخاه سنجر وانتقض عليه أمير ميران من قرابته اسمه محمد بن سليمان فسار إليه سنجر وظفر به وسمله وعاد بركيارق إلى العراق بعد أن ولى على خوارزم أكنجي شاه ومعنى شاه بلسانهم السلطان فأضيف إلى خوارزم على عادتهم في تقديم المضاف إليه على المضاف ولما إنصرف بركيارق إلى العراق من قودز وبارقطاش وإنتقضا على السلطان ووثبا بالأمير اكنجي صاحب خوارزم وهو بمرو ذاهبا إلى السلطان شاه فقتلاه وبلغ الخبر إلى السلطان وقد إنتقض عليه بالعراق الأمير أنزو مؤيد الملك بن نظام الملك فمضى لحربهما وأعاد الأمير داود حبشي بن أيتاق في عسكر إلى خراسان لقتالهما فسار إلى هراة وعاجلاه قبل إجتماع عساكره فعبر جيحون وسبق إليه بارقطاش فهزمه داود وأسره وبلغ الخبر إلى قودز فثار به عسكره وفر إلى بخارى فقبض عليه نائبا ثم أطلقه ولحق بالملك سنجر فقبله وأقام برقطاش أسيرا عند الأمير داود وصفت خراسان من الفتنة والثوار واستقام أمرها للأمير داود حبشي فاختار لولاية خوارزم محمد بن أنوشتكين فولاه وظهرت كفايته وكان محبا لأهل الدين والعلم مقر بالهم عادلا في رعيته فحسن ذكره وارتفع محله ثم استولى الملك سنجر على خراسان فأقر محمد بن أنوشتكين وزاده تقديما وجمع بعض ملوك الترك وقصد خوارزم وكان محمد غائبا عنها ولحق بالترك محمد بن اكنجي الذي كان أبوه أميرا على خوارزم واسمه طغرل تكين محمد فحرض الترك على خوارزم وبلغ الخبر إلى محمد بن أنوشتكين فبعث إلى سنجر بنيسابور يستمده وسبق إلى خوارزم فافترق الترك وطغرل تكين محمد وسار كل منهما إلى ناحية ودخل محمد بن أنوشتكين إلى خوارزم فازداد بذلك عند سنجر ظهورا والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق لا رب سواه.

.وفاة محمد بن أنوشتكين وولاية ابنه أتسز.

ثم هلك محمد بن أنوشتكين خوارزم وولي بعده ابنه اتسز وسار أبيه وكان قد قاد الجيوش أيام أبيه وحارب الأعداء فلما ولي افتتح أمره بالاستيلاء على مدينة مقشلاع وظهرت كفايته في شأنها فاستدعاه السلطان سنجر فاختصه وكان يصاحبه في أسفاره وحروبه وكلما مر يزيد تقدما عنده والله تعالى أعلم بغيبه وأحكم.

.الحرب بين السلطان سنجر واتسز خوارزم شاه.

ثم كثرت السعاية عند السلطان سنجر في اتسز خوارزم شاه وإنه يحدث نفسه بالامتناع فسار سنجر إليه لينتزع خوارزم من يده فتجهز اتسز للقائه واقتتلوا فانهزم اتسز وقتل ابنه وخلق كثير من أصحابه واستولى سنجر على خوارزم وأقطعها غياث الدين سليمان شاه ابن أخيه محمدا ورتب له وزيرا وأتابك وحاجبا إلى مرو منتصف ثلاث وثلاثين وكان أهل خوارزم يستغيثون لأتسز فعاد إليهم بعد سنجر فأدخلوه البلد ورجع سليمان شاه إلى عمه سنجر واستبد اتسز بخوارزم والله أعلم.

.انهزام السلطان سنجر من الأتراك الخطا وملكهم ما وراء النهر.

ثم سار سنجر سنة ست وثلاثين لقتال الخطا من الترك فيما وراء النهر لما رجعوا لملك تلك البلاد فيقال أن اتسز أغراهم بذلك ليشغل السلطان سنجر عن بلده وأعماله ويقال أن محمود بن محمد سليمان بن داود بقراجان ملك الخانية في كاشغر وتركستان وهو ابن أخت سنجر زحفت إليه أمم الخطا من الترك ليتملكوا بلاده فسار إليهم وقاتلهم فهزموه وعاد إلى سمرقند وبعث بالصريخ إلى خاله سنجر فعبر النهر إليه في عساكر المسلمين وملوك خراسان والتقوا في أول صفر سنة ست وثلاثين فانهزم سنجر والمسلمون وفشا القتل فيهم يقال كان القتلى مائة ألف رجل وأربعة آلاف امرأة وأسرت زوجة السلطان سنجر وعاد منهزما وملك الخطا ما وراء النهر وخرجت عن ملك الإسلام وقد تقدم ذكر هذه الواقعة مستوفي في أخبار السلطان سنجر ولما انهزم السلطان سنجر قصد اتسز خوارزم شاه خراسان فملك سرخس ولقي الإمام أبا محمد الزيادي وكان يجمع بين العلم والزهد فأكرمه وقبل قوله ثم قصد مرو الشاهجان فخرج إليه الإمام أحمد الباخوري وشفع في أهل مرو وأن يدخل لهم أحد من العسكر فشفعه وأقام بظاهر البلد فثار عامة مرو وأخرجوا أصحابه وقتلوا بعضهم وامتنعوا فقاتلهم اتسز وملكها عليهم غلابا أول ربيع من سنة ست وثلاثين وقتل الكثير من أهلها وكان فيهم من أكابر العلماء وأخرج كثيرا من علمائها إلى خوارزم منهم أبو بكر الكرماني ثم سار في شوال إلى نيسابور وخرج إليه جماعة من العلماء والفقهاء متطارحين أن يعفيهم مما وقع بأهل مرو فأعفاهم واستصفى أموال أصحاب السلطان وقطع الخطبة لسنجر وخطب لنفسه ولما صر باسمه على المنبر هم أهل نيسابور بالثورة ثم ردهم خوف العواقب فاقصروا وبعث جيشا إلى أعمال بيهق فحاصرها خمسا ثم ساروا في البلاد ينهبون ويكتسحون والسلطان سنجر خلال ذلك متغافل عنه فيما يفعله في خراسان لما وراءه من مدد الخطا وقوتهم ثم أوقع الغز سنة ثمان وأربعين بالسلطان سنجر واستولوا على خراسان وكان هؤلاء الغز مقيمين بما وراء النهر منذ فارقهم ملوك السلجوقية وكانوا يدينون بالإسلام فلما استولى الخطا على ما وراء النهر أخرجوهم منها فأقاموا بنواحي بلخ وأكثروا فيها العيث والفساد وجمع لهم سنجر وقاتلهم فظفروا به وهزموه وأسروه وانتثر سلك دولته فلم يعد انتظامه وافترقت أعماله على جماعة من مواليه واستقل حينئذ اتسز بملك خوارزم وأعماله وأورثها بنيه ثم استولى على خراسان والعراق عندما ركدت ريح السلجوقية وكانت لهم بعد ذلك دولة عظيمة نذكر أخبارها مفصلة عند دول أهلها والله تعالى ولي التوفيق بمنه وكرمه.